يهود شمال اليمن .. من قصص الحب إلى قصص القتل!
أفراد عائلة يهودية يمنية
صنعاء- آفاق
برز اهتمام محلي ودولي ملحوظ في الآونة الأخيرة بيهود اليمن على إثر إقدام طيار يمني سابق (مسلم) بقتل شقيق حاخام اليهود بمحافظة عمران شمال اليمن والذي تم القبض عليه واعترف بقتله اليهودي قائلاً إنه فعلها تثبيتاً لرسالة ماجستير، ومن ذلك الاهتمام وصول إعلاميين إلى أماكن تواجد اليهود وكتابة تقارير تكشف عن أوضاعهم وقصص الحب بين شباب مسلمين وفتيات يهوديات.
ونشرت مجلة "أبواب" اليمنية تقريراً يرصد ظاهرة الحب والتعدد في الوسط اليهودي اليمني مشيرة إلى أن يهود محافظة عمران الشمالية والتي تتسم بنمطها القبلي وتعدد مظاهر السلاح فيها لا يحمل فيها اليهود سلاحاً ولا يتقلدون (الجنبية)/الخنجر الذي يشتهر بها اليمنيون وخاصة الشماليون. وفي التقرير:
أكتوبر 2007م عاشت محافظة عمران قصة حب مثيرة بين "نيناوا" وهي معلمة يهودية وشاب مسلم، توجت بالزواج بعد إشهار الفتاة إسلامها، أمام والديها والحاخام وممثلين عن الطائفين. "نيناوا" هو أيضاً اسم لمدينة عراقية يعتقد اليهود بقدسيتها.
دفع حفل زفافها بعد أشهر من الجدل وإشارة منظمات دولية، والداها للعودة إلى منزله بعد التبرؤ منها، لاستقبال مراسيم عزاء - كتقليد يقوم به اليهود في مثل هذا الظرف - لسبعة أيام وقد طلب الحاخام سعيد العمار من أبناء الطائفة اليهودية الاقتناع بالأمر، والانصراف من مبنى المحافظة، حيث أشهرت إسلامها.
في مناسبات العزاء والأعراس لدى الطائفة اليهودية في اليمن يحضر مسلمون جيران، تلبية لدعوات حضور ومشاركة في إحياء الطقوس الفنية بالمناسبة، وربما غابت هذه الميزة في العزاء الذي أقامه سليمان يحيى داؤد وهو والد نيناوا في منطقة ريدة، وفي المقابل، الأمر نفسه بالنسبة لحفلة الزفاف التي أقامتها أسرة العريس، غير الطقوس الدينية، فإن أغلب الأمور تسير - كما يبدو- بما يشبه اللثمة التي ترتديها نساء الطائفتين على حد سواء، خاصة في ظروف المعيشة.
ومنذ أواخر أربعينات القرن الماضي ويهود اليمن يتقلص عددهم بمسافات رقمية شاسعة، فمن بين حوالي 100 إلى 75 ألف نسمة كانوا يقطنون مناطق يمنية عديدة، أبرزها صنعاء وعدن، يعيش حالياً 400 نسمة كأقلية تسكن منطقة جغرافية محدودة في ثلاثة تجمعات، أكبرها "بقعة اليهود" التي تضم قرابة 60 عائلة يهودية، ما بين الحي الغربي من منطقة ريدة والسوق الجديد بمديرية خارف في محافظة عمران.
ولهذا الانحسار أسبابه، فقد ساهمت عمليات التهجير المعروفة بـ"بساط الريح" ليهود اليمن إلى إسرائيل، التي بلغت ذروتها ما بين عامي "49 ـ1951"م إلى حد كبير في هذا التقلص، الذي يمكنك أن تلمحه حالياً في تناقص الكوفيات السود التي تتوسط الرأس، والزنار "خصلتا شعر مضفورتان على جانب الوجه بالنسبة لأبناء الطائفة اليهودية".
أغلب اليمنيين يعتقدون في الزنار قراراً سياسياً، وهو ما ينفيه بشدة العيلوم يحيى يعيش، يقول يعيش إنه ليس أمراً سياسياً صدر عن الإمام يحيى بن حميد الدين، كتمييز بين أبناء الطائفتين، وقال بكونه أمراً دينياً يلتزم به كافة اليهود في العالم: "أم أن الإمام وصل حكمه كل العالم" متسائلاً باستغراب.
في ذات شؤون المظهر فأبناء الطائفة اليهودية لا يحملون السلاح ولا يتقلدون (الجنبية)/الخنجر، ويضع العيلوم يعيش لهذا تفسيراً بعدم الحاجة إليها وأنهم أقلية معاهدون "أهل ذمة".
وبعد عمليات "بساط الريح" شهدت المناطق التي كان يعيشها يهود اليمن نزوحات عدة، تكون على أثرها هذا التجمع "بقعة اليهود" الذي شهد آخر عملية نزوح قبل 16 عاماً لأسرة سالم الشغدري من محافظة حجة.
اليهود يحيطون منازلهم بأسوار ترتفع ضعفاً، ويقول يحيى يعيش بن يحيى العيلوم (41 عاما)ً إن الطائفة اليهودية في اليمن باتت في عداد الأقليات، وإن تكتلها في ثلاثة تجمعات سكانية للتكافل والاطمئنات "على بعضنا البعض" مع إقامة الصلوات والطقوس والمدارس اللازمة، ومهما يكن فإن الأسوار المرتفعة لا تشي هنا، بكونها جدار فصل عنصري، فما يقتضيه التباين العقائدي، قد يلغيه وحدة الاقتصاد والجغرافيا.
عدا "فايز الجرادي" وهو مدير مدرسة الشيزي العبرية بـ"ريدة" لا أحد من أبناء الطائفة، موظفا في أجهزة الدولة، أو يتقاضى منها راتباً شهرياً كما ليس بينهم من يمتلك أرضا زراعية أو عقارات ومحال تجارية، وأغلبهم يعمل في مواسم الحصاد لدى ملاك الأراضي المسلمين.
ويزاول كثير منهم مهناً حرفية كالحدادة و"السمكرة" والاسكافية، كما يلاحظ عملهم في الدراجات النارية، بنسبة واضحة.
يهود اليمن تقول مؤشرات حالهم إنهم ليسوا أوفر حظاً وأحسن حالاً في ظروف معيشتهم عن المجتمع اليمني، فالجميع يئن تحت وطأة الغلاء والقفر.
ويظل الفن الأقوى فيما يخص تقليص الهُوَّات، وهو يفعل هذه المهمة الإنسانية بجدارة.
العيلوم سليمان بن يحيى يعقوب مدير المدرسة العبرية بخارف يقول: "نحن يهود.. لكننا عرب في تقاليدنا" في إشارته إلى التراث الفني المعمول لديهم، خاصة في مواسم الأعراس حيث يتشارك المسلمون واليهود في إحيائها وأغلب ما يتم تقديمه من التراث الفني الخاص بالقبائل، حسب تأكيد العيلوم الذي يشير إلى أن رقصاتهم قد تختلف، لكنها قريبة أكثر من رقصات القبائل.
ولا تعمل الديانة اليهودية على نشر نفسها في اليمن، وقد حدثت قبل نيناوا، قرابة عشر حالات زواج لمسلمين بيهوديات يمنيات أشهرن إسلامهن، ويتسببن بالتأكيد في سبعة أيام عزاء أقامها آباء غير "سليمان".
أما في رمضان ربما اكتسب التقارب وجهاً أكثر نصاعة، فخلال نهاراته يحرص اليهود من قبيل المشاركة الاجتماعية على عدم الأكل والشرب، خارج منازلهم، وهو الأمر الذي يضائل كثيراً من حدة ارتفاع الأسوار المضروبة على منازل بقعة يهود اليمن.. ويجعل منها واجهة معمارية، فحسب.